هل ما زالت ألمانيا تكره الحروب؟

هل ما زالت ألمانيا تكره الحروب؟

25 إبريل، 2024 - 09:04pm

وليد نصّار – رئيس التحرير

اختلف لقاء اليوم مع ممثل جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى دولة فلسطين أوليفر أوفتشا عن لقاء سابق مع بعض الصحفيين الفلسطينيين وكنت من بينهم، ففي أكتوبر عام 2022 كان الرجل غاضبا ومتوتراً ووصل الحد به إلى أن ألقى علينا محاضرة في كيف نسأل أسئلة جيدة، ساد توتر شديد حينها لدرجة أننا لمناه وقلنا له ليس من حقك أن تعلمنا كيف نسأل، بل عليك أن تجيب على أسئلتنا، وخرجنا وقتها بانطباع سلبي.

اليوم كان المشهد مختلفاً تماما، وكأنه رجلٌ آخر. ولا أخفي، أنني ترددت في قبول الدعوة نظراً للتجربة السابقة، ولكننّي في النهاية اتخذت القرار بالذهاب. أوفتشا كان منفتحاً على الأسئلة، وسمع منها ما تضيق به صدور المسؤولين الألمان، نظراً لموقف برلين بعد السابع من أكتوبر الذي تحول من وسيط نزيه قبلته كل الأطراف عامي 2006 و2011 في صفقات التبادل بين إسرائيل وحزب الله وحماس على التوالي، إلى طرف اتخذ موقفا قاسيا أصاب الفلسطينيين بصدمة على المستويين الرسمي والشعبي.

الدبلوماسية الإنسانية:

بداية تطرق رئيس ممثلية جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الأراضي الفلسطينية، أوليفر أوفتشا، إلى أن برلين عملت جاهدة لتحسين الظروف الإنسانية في قطاع غزة والضفة بما فيها القدس، حيث تعتبر ألمانيا أكبر داعم إنساني في المنطقة بتقديمها حوالي 255 مليون يورو منذ أكتوبر 2023 لعدد من المنظمات الدولية التي تعمل في الأراضي الفلسطينية.

وعرّج أوفتشا على خبر نشرته الخارجية الألمانية أمس مفاده أن الحكومة الألمانية ستستأنف "قريبا" تعاونها مع وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في غزة، إذا ما التزمت الوكالة بتنفيذ برنامج "توصيات الإصلاح" الذي دعت له مجموعة المراجعة المستقلة التي أنشأتها الأمم المتحدة والتي ترأستها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة كاثرين كولونا، وتعهدت بعدها "الأونروا" بأنها ستقوم بتنفيذ التوصيات الواردة في التقرير بشكل سريع وشامل، بعد الادعاءات التي قدمتها إسرائيل ضد وكالة الغوث.

وحسب الخارجية الألمانية فإنه من ضمن هذه التوصيات تعزيز الرقابة الداخلية للأونروا وتحسين آليات تدقيق إدارة المشاريع، والتبادل المنتظم لقوائم موظفي الأونروا مع السلطات الأمنية الإسرائيلية.

العقوبات على المستوطنين وحماس:

وخلال عرضه المقتضب، قال أوفتشا إن ممثلية ألمانيا تقوم بجهود مستمرة لرصد وتوثيق الهجمات التي ينفذها المستوطنون في الضفة، وأشار إلى أن الحكومة الألمانية وبالتعاون مع الاتحاد الأوروبي تعتزم فرض عقوبات مالية على بعض المجموعات المتطرفة للمستوطنين، ومنعهم من السفر إلى دول الاتحاد.

وكانت وكالة الأنباء الفرنسية ذكرت في آذار الماضي أن العديد من الدول الأوروبية انتقدت العنف المتزايد ضد الفلسطينيين في الضفة المحتلة منذ السابع أكتوبر الماضي، "وقال دبلوماسيون إن الاتحاد الأوروبي سيفرض عقوبات جديدة على حماس قبل تنفيذ إجراءات ضد المستوطنين الإسرائيليين"، وحسب والوكالة فإن "هذا التسلسل مهم للدول المقربة من إسرائيل في الاتحاد الأوروبي، مثل ألمانيا والنمسا والتشيك، التي أرادت التأكيد على أنها لا تفرق بين الجانبين".

هل مات حل الدولتين؟ وهل برلين جاهزة للاعتراف بفلسطين؟

أكد أوفتشا على أن حل الدولتين يبقى السبيل المنطقي لإنهاء النزاع، رغم أنه لا يعرف كيف يمكن تنفيذه حاليا، وأضاف أنه لا يوجد بديلٌ واقعي آخر، وأن ألمانيا ترفض بشدة بناء المستوطنات في الضفة أو تقسيم القطاع وتهجير سكانه، معرباً عن أمله في أن تتولى السلطة الفلسطينية في أقرب فرصة إدارة قطاع غزة.

وفي هذا الصدد قال أوفتشا إن حكومته بعد السابع من أكتوبر الماضي تلقت الرؤية الفلسطينية لإنهاء الصراع من منظمة التحرير وإدارة الرئيس محمود عباس، والتي تتمثل باعتراف مجلس الأمن الدولي بالدولة الفلسطينية كاملة العضوية في الأمم المتحدة، وبعدها يتم التوجه إلى مفاوضات جادة تقودها الأطراف الدولية ذات العلاقة،وعلى أساس يفضي لحل الدولتين. وعّقب قائلا: " ألمانيا الآن، غير جاهزة للاعتراف بفلسطين ".

ألمانيا والحكومة الفلسطينية الجديدة:

"فلنكن واقعيين، الانتخابات في فلسطين أمر صعب، مع أننا في كل فرصة ندعو لعقدها، ولكن من الواضح أن متطلبات المرحلة تفرض على القيادة الفلسطينية الذهاب لخيار تشكيل حكومة جديدة، وقد رحبت بها بلادي وبالإصلاحات التي أعلنت عنها"، هكذا علق رئيس ممثلية جمهورية ألمانيا الاتحادية لدى الأراضي الفلسطينية، أوليفر أوفتشا على تشكيل حكومة فلسطينية جديدة، وقال إن برلين تدرك الصعوبات السياسية والمالية التي تواجه الفلسطينيين، ولكنه لم يشر إلى أي دور ألماني صريح في تذليل هذه التحديات التي تواجه حكومة محمد مصطفى وخصوصا المالية، مع أنه أبدى فهماً عميقا لأسباب الشح المالي الذي تعاني منه الخزينة الفلسطينية.

الفلسطيني يتوجه للأردن للحصول على تأشيرة ألمانية:

وعد ممثل ألمانيا لدى فلسطين، أوليفر أوفتشا بسرعة حل مشكلة حصول الفلسطينيين على تأشيرة دخول ألمانيا من رام الله، كما كانت عليه الإجراءات قبل السابع من أكتوبر 2023، وبرر ذلك بأن أغلب موظفي التأشيرات يعملون حاليا في الأردن من أجل إخراج الفلسطينيين الألمان من قطاع غزة، ويكرسون وقتهم لإجراءات معقدة في ظل الحرب التي تدور هناك، إضافة إلى مساهمتهم في وصول المساعدات الإنسانية الألمانية لغزة عبر المنظمات الدولية الشريكة. وقال إنه يأمل في أن تعود الممثلية في رام الله لإصدار التأشيرات قريبا كما كان عليه الوضع قبل الحرب.

السؤال الصعب ورحابة الصدر، ومعاداة السامية:

حضر الاجتماع في مقر الممثلية الألمانية في رام الله ستة صحفيين بينهم امرأة واحدة، وقد سأل ثلاثة من الزملاء أولاً عددا من الأسئلة، واقترحت مديرة الجلسة أن أسأل سؤالي، أبديت تمنّعاً فيه إشارة إلى أن سؤالي ربما يكون صعباً، فاستدرك أوفتشا قائلاً: دعوني أجيب على هذه الأسئلة كنوع من "الإحماء" ثم أتلقى أسئلة أصعب. وعلى خلاف اجتماعنا به قبل عام ونصف تحمّل ثِقْل تساؤلي: كيف قبلت بلاده على نفسها أن تتحول من وسيط نزيه عام 2006 و 2011 في صفقات التبادل مع إسرائيل وحزب الله وحماس، إلى طرف سلبي في بداية هذه الحرب، ويحاول جاهداً حاليا تغيير معطفه للعودة بلا جدوى لما كان عليه سابقاً، وأن أرقام المبالغ التي تحاول برلين حاليا تسويقها على أنها تدفعها كلاعب فاعل في المجال الإغاثي لا يعفيها من كونها تفرض على الفلسطينيين ومؤيديهم في قلب ألمانيا قيوداً غير مسبوقة في الحصول على تصاريح المظاهرات، إضافة لمنع شخصيات فلسطينية بارزة من الحصول على تأشيرة الدخول أو منع بعض الحاصلين أصلا على التأشيرة من العبور للأراضي الألمانية، فقط لمجرد أنهم يؤيدون القضية الفلسطينية، حتى لو كانوا أوروبيين من دول أخرى؟ وأشرت له إلى أن القيود الألمانية وصلت لتحديد طول العصا التي تحمل العلم الفلسطيني أثناء التظاهر! لم يضجر أوفتشا من السؤال، وحاول التهرب منه بدبلوماسيته فقال: "إنني أمثل السياسة الخارجية الألمانية وليس الداخلية، ولكن بواقعية شديدة هناك تكامل بين المشهدين. نعم، هناك قيود، ولكنها لم تأت من فراغ، فنحن دولة ديموقراطية، وبعد السابع من أكتوبر 2023 اتخذ برلماننا، وهو مجلس تشريعي قوي، قرارا بالإجماع -وهذا نادرا ما يحصل - على ضرورة التضامن مع إسرائيل، ومنع تهديد وجودها، فالإدارات التنفيذية في البلاد تتخذ كل السبل من أجل إنفاذ إرادة البرمان، وهي إرادة شعبية بالأساس.

وفيما يتعلق بمسألة "معاداة السامية" و"انتقاد إسرائيل"، قال أحد الزملاء في سؤاله للسفير لماذا لا تفرق ألمانيا بين المسألتين، مع أنهما مفهومان مختلفان عن بعضهما البعض؟ فكان جوابه أنه بالفعل هناك خلط في بين المفهومين، واعتبر أوفتشا أنه ليس من الجيد اعتبار الأمرين أمرا واحداً، ولكن التفريق صعب في بعض الأحيان، وأن بلاده تحاول باجتهاد الفصل بين المسألتين.

ودّع أوليفر أوفتشا الجميع بعد ساعة ونصف من النقاش المفتوح مع الصحفيين، ويبدو أنه بدبلوماسيته أزال الانطباع السلبي السابق عن نفسه على الأقل، ونجح في تمثيل بلاده أمامنا بمهنية، على الرغم من الأحكام المسبقة التي نحملها عن برلين قبل الاجتماع، بسبب سياساتها الأخيرة غير المفهومة فلسطينياً، في ترك دورها كوسيط تاريخي، والانحياز للدولة العبرية بقرارات داخلية وخارجية تحتاج لأعوام لاستيعابها، ورأب الصدع الذي حصل بين المواطن الفلسطيني والدولة الألمانية، التي كان يظن أنها تكره الحروب، ولا تود الانخراط فيها!