(مقال صحفي) وليد نصّار || "شبكة أجيال"
كان يوماً ماطراً وشديد البرودة عندما قرر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن عقد مؤتمر صحفي في القدس بعد زيارة استمرت ثلاثة أيام في المنطقة التقى خلالها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس المعارضة يائير لابيد والرئيس الإسرائيلي يتسحاق هورتسوغ وأخيرا الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
حضر الصحفيون قبل ساعتين من المؤتمر كما طُلب منهم، إلا أنهم اضطروا لانتظار الوزير 4 ساعات حتى وصل- عرفنا لاحقا أن التأخير كان بسبب تناول وزير الخارجية ووفده المرافق طعام الغداء في أحد فنادق القدس، بعد اجتماع شابه التوتر في رام الله- بدأ بلينكن بالحديث عن ذات المحاور التي أدلى بها عقب كل اجتماع سبق المؤتمر، وتقريبا، أعاد نفس الجمل والعبارات ولم يأت بجديد يقلب غرف التحرير في وسائل الإعلام بعد أسبوع من الأحداث الدموية.
انتهى الوزير من تكرار بعض العبارات التي حملها معه من واشنطن ومن أبرزها: " كما نعمل على توسيع وتعميق دائرة السلام بين إسرائيل وجيرانها، والتزام الولايات المتحدة الصارم بأمن إسرائيل، وأنه لابدّ أن تتخذ جميع الأطراف خطوات لمنع المزيد من تصعيد العنف واستعادة الهدوء الذي يعتبر مهمتنا العاجلة إضافة إلى الحفاظ على رؤية دولتين لشعبين" ولكن لم يقل كيف سيتم الحفاظ على تلك الرؤية!
قال بلينكن فيما يتعلق بالإجراءات الأحادية التي تتخذها إسرائيل من جانب واحد: "ستستمر الولايات المتحدة في معارضة أي شيء يعرقل الوصول إلى هذا الهدف (ويقصد حل الدولتين)، بما في ذلك توسيع المستوطنات وإضفاء الشرعية على البؤر الاستيطانية غير القانونية والعمل على ضم الضفة الغربية وتعطيل الوضع التاريخي الراهن في الأماكن المقدسة في القدس وعمليات الهدم والإخلاء والتحريض والقبول بالعنف"
إيماء وإشارة، وسؤال يبحث عن إجابة:
ذهبت جاهزاً بأربعة أسئلة قصيرة تعبر بطريقة ما، عن لسان الحال الفلسطيني، لكن لم تتح لي الفرصة لطرح أي من الأسئلة الأربعة (عادة ما يحضّر الصحفي عدداً من الأسئلة خوفاً من أن يسأل صحفي آخر السؤالَ قبله)، كان السؤال الأبرز نابعاً من حقيقة ثابتة، أن إدارة بايدن هي الإدارة الوحيدة منذ ثلاثين عاماً التي لم تتقدم بأي مبادرة سلام حتى الآن أو حتى ورقة أفكار جدية قابلة للتطبيق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وكل ما تمتلكه حتى اللحظة هو تقديم النصائح.
حاولت الإيماء والإشارة إلى أنني أود أن أسال، لكن نيد برايس الناطق باسم الخارجية الأمريكية كان واقفا على أسفل يمين المنصة في قاعة مُحْكمة التنسيق، وأعطى الإشارة لأربعة صحفيين يعرف أسماءهم مسبقا كي يسألوا ولم تتح لي فرصة السؤال.
لم أيأس وطلبت من منظمي المؤتمر الصحفي وهم عاملون في الخارجية الأمريكية أن أطرح أسئلتي الأربعة عليهم بشكل مكتوب، وأن أحصل بالتالي على أجوبة مكتوبة (وهذا عادة ما يتم عبر مكتب الناطق الرسمي للمكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية – الذي كان يسمى سابقا "القنصلية الأمريكية في القدس")، وطلبت بإلحاح ألا تتم الإجابة على أسئلتي بكلام فضفاض وعام، مثل الذي تحدث به وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن على مدار ثلاثة أيام خلال زيارته الأخيرة، وخصوصا سؤال عنوان المقال.
عادة ما يتعاون مكتب الناطق الرسمي للمكتب الأمريكي للشؤون الفلسطينية مع الصحفيين الفلسطينيين ويجيب على أسئلتهم، لكنّ السؤال الأكثر إلحاحاً يبدو أنه استوجب إرساله للخارجية في واشنطن (ومع فارق التوقيت) عادت الأجوبة كما يلي:
الأسئلة الأجوبة:
بعض المحللين يصفون الإدارة الأمريكية بالعجز أمام الحكومة الإسرائيلية الجديدة وأنها غير قادرة إلا على تقديم النصائح لا أكثر، وهناك حقيقة ثابتة أن هذه الإدارة الأمريكية – هي الإدارة الوحيدة منذ ثلاثين عاماً - التي لم تتقدم بأي مبادرة سلام حتى الان – أو حتى ورقة أفكار جدية قابلة للتطبيق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي وتستمر في الضغط على طرف واحد وهو الطرف الفلسطيني لتنفيذ طلبات غير قابلة للتنفيذ وغير مقبولة شعبيا ولا رسميا مثل القضاء على "الجماعات المسلحة" في الضفة.
كانت الإجابة: "نحن نؤمن أنّ الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون على حدٍ سواء العيش بأمن وسلامة، وأن يحظوا بتدابير متساوية من الحرية والأمن والازدهار. كما لدى الرئيس بايدن قناعة راسخة بأنّ الطريقة الوحيدة لتحقيق هذا الهدف هي من خلال الحفاظ على رؤية الدولتين ثم تحقيقها لشعبين. نحن نتطلع إلى كلا الجانبين لاتخاذ خطوات إيجابية لإعادة بناء الثقة، وهذا بدوره يضع الأساس للسعي وراء الدولتين في وقتٍ ما". وهذا يشير صراحة إلى عدم وجود خطة زمنية واضحة من الإدارة الأمريكية الحالية لإطلاق محادثات تفضي إلى حل سياسي.
السؤال الثاني كان عن الخطوات الأمريكية لوقف الإجراء الأحادية الإسرائيلية من اقتحام الاقصى والاستيطان واقتحام المدن الفلسطينية، وكان الجواب يعيد التذكير بنقاط أكد عليها بلينكن في ذات المؤتمر الصحفي في القدس وقال فيه إن بلاده "ترفض ذلك"، دون الإفصاح عن الخطوات العملية في هذا السياق. أما السؤال الثالث: فكان يتمحور حول الإعلانات الأمريكية المتكررة لضرورة تقوية السلطة الفلسطينية وتمكينها من جانب، وعدم دعم الخزينة الفلسطينية لا أمريكيا ولا عربيا في ظل استمرار إسرائيل بخصم مبالغ نقدية سلفا من أموال الضرائب الفلسطينية من جانب آخر، فجاء الرد عن الدعم الأمريكي المقدم في "الخدمات الأساسية مثل الغذاء واللقاحات والتعليم والصحة والأونروا"، وهذه كلها أموال لا علاقة لها بالخزينة الفلسطينية بشكل مباشر ولا علاقة لها بالسؤال. أما الاستفسار الرابع والأخير فكان يدور حول آليات واشنطن لإلزام إسرائيل بالاتفاقيات الموقعة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي بمباركة أمريكية، فجاء الرد أن واشنطن "تواصل معارضتها الصريحة لأية أعمال من شأنّها تقويض آفاق حل الدولتين، وأنها تدعم كافة الجهود التي تقرّبنا أكثر إلى السلام، وتوسّع أفق الأمل، وتعزّز الحقوق والفرص المتساوية للفلسطينيين والإسرائيليين ويشمل ذلك البناء على الجهود التي بذلناها خلال العامين الماضيين لتحسين حياة الشعب الفلسطيني بطرق ملموسة."
"ثلاثون عاماً" بلسان عربي فصيح، وغياب فلسطيني صريح
في العودة للمؤتمر الصحفي وربط سياقه بعنوان هذا المقال، نرى أن وزير الدبلوماسية الأمريكية خلال مؤتمره الصحفي في القدس قد اعتبر اجتماع النقب "آذار 2021" هو أكبر فرصة لتوسيع وتعميق دائرة السلام بين إسرائيل وجيرانها منذ مؤتمر مدريد 1993 (ثلاثين عاما)، واعتبر جيرانها هم: البحرين ومصر والمغرب والإمارات العربية المتحدة. لذا لم تستطع الخارجية الأمريكية أن تعطي جواباً واضحاً عن عدم تقدّم إدارة بايدن برؤية حتى الآن لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، خلافا للعُرف السياسي السائد في واشنطن منذ "ثلاثين عاماً".
مغادرة قاعة المؤتمر أثناء انتظار الوزير كانت تستوجب المرور بالفحص الأمني مرة أخرى، لقد فضل معظم الصحافيين الانتظار في القاعة لساعات وكانت فرصة للقاء زملاء وزميلات لم ألتق بهم بسبب قيود كورونا، منذ أكثر من سنتين، أي قبل تولي جو بايدن لمقاليد الحكم في الولايات المتحدة الأمريكية.