الخردة تقتل الإنسان وتدمر البيئة في جنوب الخليل

28 نوفمبر، 2011 - 12:11am

كتب محمد الرجوب*

شبكة أجيال الإذاعيةARN- لدى زيارة منطقة العبور بين إسرائيل والريف الجنوبي الغربي لمحافظة الخليل –حيث الفقر والبطالة-، تُشاهد شاحنات كبيرة تأتي يوميا من داخل إسرائيل محملة بمواد معدنية من مخلفات الجيش الإسرائيلي، أو محركات متهالكة، تسمى محليا بـ"الخردة"، إلى بلدات في جنوب الضفة الغربية، ليقوم عمال من المنطقة بفرز تلك المواد والتخلص من الزوائد البلاستكية فيها عبر حرقها عشوائيا على الأراضي الزراعية، وبالقرب من التجمعات السكنية، لاستخلاص معادن نظيفة كالنحاس والألمنيوم والحديد ومن ثم إعادتها مرة أخرى بعد فرزها معادن خالصة إلى إسرائيل.

يلخص جمال الطميزي رئيس المجلس البلدي في بلدة "إذنا" الواقعة في غرب مدينة الخليل تجارة الخردة بواسطة سماسرة إسرائيليين وفلسطينيين على طرفي الخط الأخضر بقوله: " تأتي الخردة من داخل إسرائيل، ومن ثم يقوم العمال بتنظيفها بحيث تبقى المواد الخطرة والضارة عندنا، وتعود المادة النظيفة مرة أخرى إلى إسرائيل". ويتابع الطميزي حيث بات الكثيرون ممن أدرجوا على سلم البطالة في بلدته يعملون في تنظيف الخردة، "الأراضي الزراعية التي يجري فيها حرق الخردة لا تنبت، والمنطقة التي تتم فيها عمليات الحرق يتلوث هواؤها بشكل كبير خاصة وان المواد التي يجري حرقها لا تعرف طبيعتها بالتحديد، وهو ما تسبب بالعديد من الحالات المرضية القاتلة في البلدة".

تساؤلات

ومع استمرار تلوث الهواء والتربة بات الأهالي ممن لا يعملون في الخردة في المنطقة يتساءلون: لماذا لا يجري التعامل مع تلك المواد في داخل إسرائيل؟ ولماذا يتحمل السماسرة تكلفة نقل مئات آلاف الأطنان من الخردة من داخل إسرائيل إلى الضفة فقط من أجل معالجتها وحرقها؟ وهل هناك من يستغل فقر المنطقة وحاجة شبابها للعمل في تدمير بيئتها؟.

في أحد العيادات الطبية في بلدة إذنا يكشف الطبيب أحمد البطران عن انتشار مرض نادر لكنه فتاك، المرض معروف لدى الأطباء على أنه وراثي لكنه في إذنا لم يعد كذلك، يقول البطران:" نادرا جدا ما كنا نكتشف أن أحد المراجعين يعاني من مرض (تليف الرئة) بحيث كنا نشخص حالة واحد كل ثلاثة أعوام... أما الآن فأصبحنا نصادف حالة كل ثلاثة أو أربعة شهور، وهذه الحالات غير مربوطة وراثيا كالحالات التي كنّا نكتشفها سابقا... تليف الرئة مرض خطير ليس له علاج عندنا ويؤدي إلى إتلاف الرئة وخلل في وظائف القلب ونسميه في لغة الأطباء (Pulmonary Fibrosis)".

بالذهاب إلى أماكن تجميع ومعالجة الخردة، عمال تكتسي بشرتهم كما ملابسهم بسواد يوحي إلى بؤس حالم، يشعرون بالإحباط الشديد لدرجة أنهم باتوا يلقون ما قد يصيبهم من وراء عملهم الخطر على القدر، تحدثنا لأحد العمال غ.ع عما يلفت انتباهه من المواد التي تأتي من إسرائيل فأجاب دون تلعثم "أجا طن وسبع مئة كيلو من الصواريخ... لو انفجر فينا واحد منصير والسماء والطارق"، ولدى سؤاله عن سبب بقائه في هكذا عمل قال: "إلى كاتبه الله بده يصير". عامل آخر يتحدث عن حظه الجيد لأنه لم يصب إصابة بالغة عندما انفجر جسم كان على مقربة منه، بينما يتخوف آخر من مرض السرطان ويتساءل من سيعيل أطفاله في حال تسبب علمه بالقضاء عليه؟!.

تعقيدات المكافحة

تُصنف البلدات التي يزدهر فيها العمل والاتجار بالخردة بالمنطقة (C) حسب التقسيمات السياسية للضفة الغربية بموجب اتفاق أوسلو، بحيث لا تستطيع الأجهزة الأمنية الفلسطينية ممارسة مهامها في تلك المنطقة. لكن وفي عام 2008 سمحت إسرائيل بفتح مقر للشرطة المدينة في بلدة إذنا التي يناهز عدد سكانها 30 ألفا.

بعد ذلك عملت الشرطة بإمكانياتها المحدودة على مكافحة عمليات حرق الخردة جزئيا بالقرب من التجمعات السكنية، وليس الاتجار بها أو العمل على فرزها، ويوضح قائد مركز الشرطة الرائد نابل بدارين أن سماسرة الخردة تعاملوا مع الوضع الجديد "بحرق الخردة على الأراضي المتبقية للبلدة بعد إقامة الاحتلال جدار الضم والتوسع في إذنا في حين يمنع الجيش الإسرائيلي الشرطة الفلسطينية الاقتراب من المنطقة".

حول ما يتم ضبطه في حال تلقي شكاوى من عمال أو من الأهالي حول أجسام مشبوهة في أكوام الخردة التي تأتي تباعا من إسرائيل، يقول الرائد بدارين "تم مصادرة قذيفة طائرة عيار 1100 ملم غير مستهلكة، وقذائف وقنابل عدد 5 عيار 40 ملم غير مستهلكة وفراشة قذيفة وغيرها الكثير". ويكشف الضابط الفلسطيني أن نصف من يتم إلقاء القبض عليهم أثناء حرق الخردة من الأطفال القصر.

يبدو غريبا قيام إسرائيل صاحبة القبضة الأمنية على الفلسطينيين وهي التي طاردت واعتقلت لعقود من الزمن كل من يحوز رصاصة، إسرائيل ترسل إلى الضفة الغربية الآن صواريخ ووسائل قتالية بأيديها، مفارقة تطرح تساؤلات جدية حول مرامي ذلك وما تحويه تلك الصواريخ، ويبدو الطرف الرسمي الفلسطيني عاجزا عن الإجابة.

* صحفي فلسطيني

mohammadrjoub@gmail.com