الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية ...

الطريق إلى محكمة الجنايات الدولية ...

26 أغسطس، 2014 - 01:08pm

شبكة أجيال الإذاعية ARN_

رئيس التحرير – وليد نصار

خلال العدوان الإسرائيلي الحالي على قطاع غزة، كثُر الحديث رسمياً في عدة مناسبات وعلى لسان الرئيس محمود عباس وعدد السياسيين المقربين منه وقادة الفصائل الفلسطينية عن إمكانية انضمام فلسطين إلى "اتفاقية روما" الموقعة في 17/6/1998 والناظمة لعمل محكمة الجنايات الدولية ، هذا الحديث ليس جديدا، سيما وأنه تكرر بوتيرة أخفض بعد اعتراف الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2012 بعضوية فلسطين كـ "دولة" في المؤسسة الدولية الأكبر .

لاشك أن هناك حالة من الارتباك في المشهد القانوني الفلسطيني يكون الفلسطينيون في غالبيتهم شاهدا عليه ويضعهم في حيرة ودهشة نظرا لاستخدام مصطلحات قانونية دولية جديدة لم يعهدوها من قبل.


ليس المواطن وحده من يحاول فهم مكنون الانضمام الفلسطيني لمحكمة الجنايات بل إن بعض الساسة وأحيانا بعض العاملين في المجال القانوني ومن خلال تصريحات موثّقة يعانون من أزمة في الفهم المصطلحي والتطبيقي لمضمون الانضمام، سواء لمحكمة الجنايات الدولية أو أي اتفاقية دولية أخرى.


المنتقدون لهدف إنشاء محكمة الجنايات الدولية يصفونها بأنها استمرار للغة القوة ولكن بثوب قانوني، وأنها خُلقت للضعفاء والمهزومين، أو للفقراء في القسم الجنوبي من الكرة الأرضية، "إفريقيا" تحديدا، ولم يُحاكم بها إلا أولئك.


الدليل على هذا الزعم أنه ومنذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، تم تشكيل محكمة خاصة لمحاكمة قادة الجيش الألماني المهزوم وأخرى لمحاكمة قادة الجيش الياباني المهزوم وصولا إلى المحاكم الخاصة لأبرز من قام بمذابح الصراع العرقي الدّامي في رواندا والقادة الصرب المهزومين وأشهرهم سلوفودان ميلوشوفيتش والذين تم اتهامهم جميعا بأنهم قاموا بارتكاب جرائم الإبادة الجماعية وجرائم أخرى ضد الإنسانية وجرائم حرب.


كل هذه محاكم خاصة، أي لكل حالة على حدة، وعندما رأى المجتمع الدولي أنه من الصعب مع تطور الجرائم وكثرة الحروب إقامة محكمة خاصة لكل حرب تحصل في الكرة الأرضية ، جاءت فكرة محكمة الجنايات الدولية التي أسستها اتفاقية روما 1998 وأنشئت على إثرها المحكمة في عام 2002، حيث أصبحت أول محكمة دولية "دائمة" مختصة بما اتفق على تعريفه بالجرائم والجنايات التي تُرتكب أثناء الحروب، وقد وضعت الدول الكبرى شرطاً يفرّغ المحكمة الجنائية الدولية من أهدافها "السامية" التي أنشئت لأجلها، يفيد بأن المحكمة لا تبحث أي جريمة حرب أو جريمة ضد الانسانية وقع ارتكابها قبل إنشائها في 1/7/2002، ما يعني على سبيل المثال لا الحصر أن الحكومة الإسرائيلية لن تُحاسب على الجرائم التي اقترفتها منذ العملية العسكرية التي سمتها حكومة أريئيل شارون آنذاك "السور الواقي " التي بدأت في 29/3/2002 وما سبقها من جرائم إسرائيلية ضد الفلسطينيين رجوعا بالزمن إلى الوراء.


جدير بالذكر أن المدعي العام للمحكمة رفض التحقيق في دعوى ضد قادة عسكريين أمريكيين قدمتها منظمات حقوق إنسان عربية ودولية تتهمهم بأنهم قاموا بجرائم حرب إبّان غزو العراق 2003، وجاء المبرِّر آنذاك تحت عنوان أن الولايات المتحدة الأمريكية ليست عضوا في المحكمة.


هذا لا يعني أن الانضمام للمحكمة سيكون سيئا سلفاً ولا طائل منه أو فائدة مرجوّة ، بل سيكون ذلك في تقدير بعض المختصين ورقة ضغط مهمة للفلسطينيين في أي مفاوضات سياسية قادمة إذا ما أُحسِن استخدامها وستشكل حالة من الضغط النفسي والسياسي على المسؤولين الإسرائيليين وتحديدا عند سفرهم للدول التي لا سلطة فيها على القضاء كبريطانيا و إسبانيا وبلجيكا وهولندا وغيرها، وهذه بحد ذاتها ستزيد من حالة الشعور بالعزلة لدى إسرائيل وينقل الشعور إلى مرحلة التطبيق العملي، ولكنّ هذا الأمر له إجراءات قانونية واجبة الاتّباع تبدأ من المحاكم المحلية وتنتهي في محكمة الجنايات الدولية بغض النظر عن الاستثناءات التي توضحها الممارسة الفعلية في تحريك الملفات القضائية في المحكمة.


أمام هذا كله فإن الرئيس محمود عباس بصفته القانونية كرئيس حالي لدولة فلسطين يقف أمام مطلب هام ينهي كثيرا من الجدل القانوني في الأوساط الفلسطينية ويؤسس لمرحلة جديدة من الوعي الجَمْعي للمسألة من خلال تشكيل هيئة قانونية فلسطينية توجيهية تكون بمثابة (لجنة حكماء في القانون الدولي) تدير مسألة انضمام فلسطين إلى الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المنوي الانخراط بها، هذه الهيئة لا تهمّش أي جهة قانونية محلية بل تجعل في عضويتها ممثلين محدودين ونوعيين عن وزارة العدل ومجلس القضاء الأعلى، وأكاديميين محليين، ومختصين لهم خبرة ميدانية ، ولكنها تتشكل بالأساس من أكبر عدد ممكن من الخبراء الفلسطينيين في القانون الدولي ومعظمهم لا يعيشون في فلسطين كون القانون الدوليّ حلبته الكبرى في أوروبا، وهؤلاء يضخّون خبرتهم في الشركات القانونية التي يملكونها هناك أو في التدريس في جامعات أوروبا وأمريكا وعدد من دول العالم الأخرى، وإذا تم استنهاضهم لن يبخلوا على بلدهم أبداً بخبرتهم وكفاءتهم، وليكن مقر اللجنة خارج فلسطين وفي أوروبا تحديدا، ومهمة هذه الهيئة تنحصر في وضع الرؤى القانونية الصحيحة التي تتكيف مع الخصوصية الفلسطينية ، لكل اتفاقية دولية على حدة، وتوحيد الخطاب القانوني الفلسطيني ذي العلاقة ما ينعكس على الخطاب السياسي إيجاباً، وتوضيح إيجابيات وسلبيات انضمام فلسطين لأي اتفاقية سلفاً، بالتالي توضح الهيئة أو لجنة الحكماء أفضل الخيارات أمام السياسي الفلسطيني لاستخدام "أداة سيو-قانونية" تضاف لأدوات أخرى كثيرة من أجل إنهاء الاحتلال.


ومن يدعي في فلسطين أنه قادر على ذلك وحده فهو مخطئ ، ومن يظن أن إسرائيل خصما سهلا أمام المحاكم الدولية و/أو المؤسسات الدولية فهو أيضا مخطئ، فهذا الموضوع يحتاج إلى خبرة ميدانية جَمْعِية وممارسة قانونية مُحترفة يفتقدها كثير من القانونيين داخل فلسطين.